سورية و حسابات المواجهة Drucken
Montag, den 18. Juli 2011 um 12:25 Uhr

فجأة اكتشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية “نشاطاً نووياً سرياً لسوريا” وأحالت الملف السوري الى مجلس الأمن، وكأن المطلوب بعد فشل المجلس في إدانة دمشق، فتح جبهة دولية ثانية في وجه المسؤولين السوريين. وفجأة عاد التناغم بين باريس وواشنطن (مثلما كان في زمن بوش ـ شيراك) في غمرة التباحث حول مشروع نشر قوة أميركية ـ فرنسية مشتركة في شرق المتوسط، لإظهار مدى  الجدية في مواكبة التطورات الامنية داخل سوريا. والسؤال: ما قصة هذا الهياج الغربي الذي لا يتوقف، وكيف تبدو حسابات المواجهة السورية ـ الأميركية؟

الأخبار تقول ان باريس، بدفع من واشنطن، لا تزال مصرة على مواصلة جهودها لدى الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن لاستصدار قرار دولي يتجاوز عبارات الادانة، قبل تكليف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون اجراء اتصالات عاجلة مع القيادة السورية ضمن مهلة زمنية محددة، يصار بعدها الى استصدار عقوبات جديدة.
وفي الأخبار أن الحملة الأميركية ـ الفرنسية تستند الى حسابات تتعلق بالمصالح الاستراتيجية لكلا البلدين في المنطقة، وأن الخطاب الموجه الى موسكو في هذه المرحلة، ينطوي على طمأنة الروس الى أن قاعدتهم البحرية في طرطوس باقية حيث هي، وأنه يمكن تقاسم حوض المتوسط بشكل أو بآخر من دون المساس بالقاعدة الروسية.
وفي إطار التصعيد ضد سوريا ذكرت معلومات غربية موثوقة ان باريس ستعرض على واشنطن نشر قوة بحرية مشتركة أميركية ـ فرنسية في شرق البحر الأبيض المتوسط، لإظهار مدى جدية المجتمع الدولي حيال ما يجري، على ان تلي هذا الانتشار حزمة اولى من العقوبات الدولية تشمل خفض التمثيل الدبلوماسي السوري في الخارج، وحظر منح تأشيرات الدخول للمسؤولين السوريين وعقوبات مالية تشمل تجميد الأرصدة، وصولاً الى مرحلة إحالة المسؤولين السوريين، على المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية، على أن يتزامن ذلك مع مفاعيل اجراءات المحكمة الدولية في قضية اغتيال رفيق الحريري.
ولأن المسعى الفرنسي ـ الأميركي الى مشروع إدانة لسوريا في مجلس الأمن لا يزال يصطدم بالرفض الروسي ـ الصيني، فإن الطرفين (الفرنسي والأميركي) يهيئان مجلس الامن لمناقشة ملف آخر، على أمل أن يشكل مدخلاً أقل صعوبة الى إدانة دمشق. هذا الملف هو ما بات يسمى “الملف النووي السوري”. وبناء على طلب أميركي أعادت الوكالة الدولية للطاقة النووية عرض اتهاماتها لسوريا في شأن وجود نشاط نووي على اراضيها. هذه الاتهامات التي تأتي بعد أربع سنوات من قصف “مفاعل” دير الزور (هكذا يسميه الاسرائيليون) تشكل امتداداً للضغوط الجديدة التي تمارس على دمشق التي تحاول احتواء التوترات الداخلية والهجمة الدولية من خلال مشروع إصلاحي تاريخي.
المناقشة التي جرت حتى الآن في صدد “المفاعل” كشفت، مرة أخرى، عن أن هذا “المفاعل” لم يعد له وجود، وبالتالي فإن المناقشة ليست ذات موضوع.
وكانت تقارير مخابرات أميركية قد أشارت إلى أن المجمع كان مفاعلا تحت الإنشاء من تصميم كوريا الشمالية لإنتاج البلوتونيوم لتصنيع أسلحة نووية قبل أن تحوله الطائرات الحربية الإسرائيلية إلى أنقاض, فيما قالت سوريا إنه منشأة عسكرية غير نووية .



أما السفير البريطاني مارك ليال غرانت فقال للصحفيين إن ما عرضته الوكالة الدولية للطاقة “يمثل إفادة مدمرة يمكن للمرء من خلالها استخلاص نتيجة واحدة، وهي أن سوريا كان لديها بالفعل في دير الزور منشأة نووية سرية”. وذكر أن دمشق “حاولت إخفاء الغرض من تلك المحطة وضللت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في شأن الغرض منها، ولم تتعاون تعاونا فعالا مع الوكالة في متابعة المسائل التي طرحتها عليها الوكالة”.
في مقابل ذلك، عبر السفير الصيني وانج مين عن عدم الرضا وقال إن بكين “ليست راضية” عن مشاركة المجلس، كما قال “يجب ألا نتحدث عن أمر لم يعد له وجود”.
الفشل الثاني في إدانة سوريا دفع باريس وواشنطن الى البحث عن “مداخل” أخرى الى هذه الإدانة يمكن معاينتها في فتح الملف السوري بمناسبة انعقاد اللجنة الرباعية الدولية في 13 تموز (يوليو) الجاري في واشنطن. وزيرة الخارجية الاميركية مهدت لهذا الاجتماع عبر إطلاق المزيد من التصريحات المعادية لدمشق، لكن المناقشات التي شهدتها اللجنة لم تنجح في إحراز اي تقدم في ملف الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، كما لم تنجح في استدراج اعضاء اللجنة الى فتح الملف السوري الداخلي. وفي المعلومات ان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أكد خلال المناقشات على النقاط الآتية:
- لقد وافقت موسكو على تمرير القرار الدولي 1970 والقرار الدولي 1973 لجهة معالجة المجتمع الدولي ملف الأزمة السياسية الليبية، وكان نطاق ولاية القرارات واضحاً: حظر إدخال السلاح إلى ليبيا أياً كان السبب ـ فرض منطقة حظر الطيران ـ وقف إطلاق النار ـ حماية السكان المدنيين. لكن، ورغم ذلك فقد سعت واشنطن وباريس ولندن إلى توسيع نطاق ولاية القرار الدولي، بحيث أضيفت مهام غير منصوص عليها في القرارات الدولية، منها على سبيل المثال لا الحصر المطالبة بسقوط النظام، ومغادرة الزعيم القذافي ليبيا ـ إضافة إلى تسليح المعارضة ـ إضافة إلى قص المنشآت المدنية والعسكرية الليبية.
- إن موسكو لن توافق على إصدار أي قرار دولي يستهدف سوريا، وذلك بسبب احتمالات أن تتم عملية توسيع ولاية القرار كما حدث في الحالة الليبية، إضافة إلى أن المطلوب في سوريا هو الإصلاح والآن تجري فعاليات عملية الإصلاح.
- إن موسكو تطالب المعارضة السورية بضرورة الانخراط في فعاليات هيئة الحوار الوطني السوري، وترى أن مقاطعة هذا الحوار غير مبرر وغير مقبول.
رغم ذلك، فقد سعت أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن، الى ترتيب فعاليات حدث مواز لاجتماع الرباعية، بحيث إذا كان اجتماع الرباعية هو المعلن، فإن الإجماع غير المعلن هو لقاء وزير الخارجية الروسي لافروف مع نظيرته وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون.
موضوع فعاليات اللقاء الهامشي، كان ملف الحدث السوري، وفي هذا الخصوص فقد كان المطلوب أميركياً تحقيق المزيد من التقدم في تحريك الموقف الروسي بما يؤدي إلى الآتي:
- دفع موسكو في اتجاه التقارب أكثر فأكثر مع أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن لجهة القيام بتفعيل مخطط تدويل الحدث السوري.
- بث المزيد من الإشارات الخاطفة للرأي العام السوري، بما يفيد أن واشنطن وأطراف المجتمع الدولي لا تزال أكثر التزاماً لجهة الوقوف إلى جانب المعارضة وبالتالي، فإنه يتوجب على هذه المعارضة الاستمرار في تصعيد الاحتجاجات وعدم القبول بأي حوار وطني مهما كانت النتائج.
وتشير التسريبات إلى أن نقطة الانطلاق لهذه الفعاليات الموازية قد تشكلت على خلفية تصريحات رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته الأخيرة للعاصمة الفرنسية والتي أكد خلالها أن ليس لروسيا مصالح اقتصادية استراتيجية في سوريا، وتبعاً لذلك فقد التقطت أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن الإشارة باعتبارها تنطوي على تلميحات الى احتمال أن تتخلى وتتراجع موسكو عن موقفها المعارض لتدويل الحدث السوري.
والموقف الصيني في اجتماع مجلس الأمن، يوازي الموقف الروسي بل يتجاوزه احياناً لجهة رفض اي مسعى لتدويل الأزمة السورية الراهنة. وتؤكد معلومات سورية واكبت مناقشات مجلس الامن الاخيرة، في ما يتصل بالملف النووي المزعوم، أن المندوبة الاميركية سوزان رايس فشلت مرة اخرى في إحداث اي مرونة في الموقفين الروسي والصيني، في الوقت الذي اعرب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية هونغ لي، عن أمله في أن “يسهم مجلس الأمن الدولي في دفع الأطراف إلى حل خلافاتهم من خلال الحوار فيما بينهم”. ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة «شينخوا» عن هونغ قوله، خلال مؤتمر صحفي، رداً على سؤال عن الاجتماع التشاوري الذي عقد في سوريا قبل إجراء مؤتمر حوار وطني موسع، إن الصين “ترحب بسعي كل الأطراف في سوريا الى معالجة الاختلافات عبر الحوار والمشاورات»، وتحث كل الأطراف السورية على تفادي إراقة الدماء وضمان الاستقرار والنظام الاجتماعي الطبيعي. فقد علّق هونغ على قيام بعض المواطنين السوريين بدخول السفارتين الفرنسية والأميركية في دمشق بالإعراب عن قلق بكين إزاء الوضع في سوريا، آملاً “باستعادة النظام الاجتماعي والاستقرار بأسرع وقت”. وتابع أن “الصين تعتقد أيضاً أنه لا بد من أن ينطلق مجلس الأمن بتحديد خطواته تجاه سوريا من مدى مساهمتها بانفراج الوضع هناك”، مشيراً إلى ضرورة أن «يدفع مجلس الأمن الأطراف المعنية إلى حل الخلافات عبر الحوار والحفاظ على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط”.
المشهد الدولي اذاً على حاله في الوقت الذي تحاول دمشق، عقب اللقاء التشاوري الذي انعقد في “صحارى” التهيئة لحوار وطني شامل، في الوقت الذي تنشط تركيا على مستوى تجميع الاسلاميين في وجه هذا الحوار، وتعقد المؤتمر تلو الآخر لتعميق الشرخ الداخلي السوري، او إحداث انقسام عمودي على مستوى النسيج الاجتماعي السوري يصعب معه اطلاق الحوار بمرتجياته الوطنية.
في مواكبة الهجمة التركية المتناغمة مع الهجمتين الفرنسية والاميركية، يتواصل موسم الاحتجاجات السوري بصورة متقطعة في بعض المناطق، لكن السلطات السورية التي نجحت حتى الآن في احتواء الهجمة التدويلية، تعمل ميدانياً على تهدئة الخواطر وضمان أمن المتظاهرين بصورة علنية، والتعامل الذي حصل يوم الجمعة الفائت في عدد من المناطق شاهد على ذلك، بعدما تطوعت قوى الجيش لحماية المتظاهرين وضمان امنهم في مواجهة المسلحين وما يسمى “الشبيحة”، بمعزل عن القوى الامنية الاخرى، في الوقت الذي تتسارع الخطى على طريق الاجراءات العلاجية والوقائية للتخفيف من التوترات الداخلية

 

 

المصدر الكفاح العربي

 

Zuletzt aktualisiert am Dienstag, den 19. Juli 2011 um 10:14 Uhr