المبالغة في الشخية العربية PDF Print E-mail
Written by Dr. Taha-Pascha   
Sunday, 02 March 2014 11:18
There are no translations available.

نحن شعب باتت صفة المغالاة علامة مميزة في سلوكنا الحياتي , فلقد تعودنا على المبالغة و المغالاة بكل شيئ من ابسط الامور الى اعظمها و سلبا او ايجابا حتى تحولت الى جزء اساسي من ثقافتنا و عاداتنا و تقاليدنا

لم تقتصر المبالغة و التضخيم على أدبنا و شعرنا منذ الجاهلية الى يومنا هذا فحسب , بل دخلت كل مفاصل الحياة و زواياها .. و انا لست هنا بصدد سرد امثلة لا تعد و لا تحصى و لكنني اريد اسقاطها على الواقع الذي نعيشه اليوم في وطننا سورية في ظل هذه الحرب الطاحنة التي لا نعرف لها نهاية كما اننا لا نستطيع ان نحدد متى كانت نقطة البداية و ساعة الصفر و من وراءها !                                                                                              لنفترض و بحسن نية ان البداية كانت بالتظاهرات العفوية و هي نابعة من مطالب محقة و طبيعية او انها عدوى من دول المنطقة العربية و لو ان الامثلة لم تكن جيدة و النتائج غير مرضية , و لنعد لايام *سلمية ..سلمية * و الاف الشباب الذين خرجوا الى الشوارع و الساحات , فما ان خرجوا ليعبروا عن مطالبهم رافعين شعارات يمكن تحقيقها الّا ان سرعان ما تحولت و غلبت عليها المبالغة و الغلو في التحريض الى شعارات بدت غريبة و هي بدورها تحولت الى افعال و تصرفات صار من الصعب التحكم بها لشدة المبالغة بها , حتى بالتعبير عن غضبنا , لتتحول الى أذى للاهالي و الممتلكات الخاصة  التي لا تعود ملكيتها للدولة اصلا بل للاهالي و للناس البسطاء , لكن المغالاة  و التطرف باي فعل او فكرة او شعار لا بد انها تعمي الابصار . و لكن يبقى السؤال الاهم هل هذا ما خطط له هؤلاء الشباب و هل هم كانوا على قناعة بتحويل الامر عبر المبالغة و التضخيم الى هذه النتائج ؟ أم أن هناك ايادي خفية و عقول شريرة , خططت و رسمت و شاركت و بل و قادت تلك التحركات ؟؟

ان ما حدث لم يكن بالامر السهل و ما فعله هؤلاء الشباب عن حسن نية كان يمكن ان يمر بسلام و خاصة بعد الوعود التي قطعها بعض الوسطاء و الوجهاء و لكن التهويل و التخويف المغال و المبالغ فيه لحث الشباب أن يبقوا على مواقفهم و الاستمرار لان هذا الامر الوحيد الذي يضمن سلامتهم بدعوى انهم ان تركوا الساحات فلن يعودوا الى بيوتهم الّا جثثا هامدة و بدات الشائعات بالانتشار و من يعيدها , فلا بد من ان يزيد عليها قليلا من المبالغة و الآكشن و سرعان ما تدخلت تلك اليد الخفية بسيناريو جديد و هو * القناص * لكي يزيد الطين بلّة و لتصبح المبالغة و المغالاة امر عادي و لا حدود لها وصار كل شيئ يصدق !... نعم نحن شعوب نعشق المبالغة .. بايماننا و قسمنا , في قصصنا و اشعارنا , بردات افعالنا و بدلالنا لاولادنا و قصاصنا لهم على حد سواء . لكن ان يصل الامر الى الدين و ما انزل الله من ايات و تاويلها بشكل مغال و متطرف , لتصبح بعض الدعوات في الدين الحنيف لم نسمع بها من قبل و لا في عهد سيد الخلق سيدنا و نبينا محمد رسول الله *ص* و هل هم غيورون على هذا الدين اكثر منه ....يظهرون للعالم اجمع صورة دين مخيف , يبالغون في اظهار العقوبات و الحدود و كان الدين اقتصر على ذلك , دين يقوم على الاجبار و الاكراه و بفتاوى ما انزل الله بها من سلطان , مغالاة في الشعائر و العقائد و الملبس و المظهر و الماكل و اللذة و مغالاة و مبالغة بتطبيق حدود الشرع بقطع الرؤوس بعد النطق بالشهادتين و اكل اكباد و أفئدة مسلمين يفترض انهم أخوة لهم . يبالغون بتكفير من يخالفهم الرأي و يستقطبون أنصارا لهم من كل بقاع الارض لتصرتهم و قتل أخوة لهم بالدين ..طلاب شهادة جزاءها الجنة و الحوريات اللواتي تنتظرن من قتل و حرق و دمّر و ذبح و اكل لحم اخيه ميتة .. اي مغالاة نعيشها و في اي عصر نحن و الى اين نحن ذاهبون

لا نكاد ان نفرق بين الواقع و الوهم المغالى به , عالم افتراضي , لا نجد حديث او لقاء نقاشي او تشاروي الّا و يشوبه التطرف لطرف ما او لفكرة ما , وجهات نظر و تحليلات و استنتاجات لا تخدم اي طرف في هذه المرحلة بالذات , هذه المرحلة التي تحتاج الواقعية في الطرح و الحوار و رؤية الواقع كما هو بعيدا عن التبسيط او التهويل المبالغ بهما . نحن نحتاج لأن يقبل كل منا الاخر لنصل الى بر الامان...لنتفرغ لبناء وطن هدمناه بايدينا فلا بد من نعمره بايدينا لكي نشعر بقيمته و نحافط عليه و ندافع عنه و لا نسمح لاحد ايا كان ان يهدمه او يمزقه

 

Last Updated on Monday, 03 March 2014 15:02