مواجهة المحنة في سوريا PDF Drucken E-Mail
Freitag, den 17. Juni 2011 um 23:40 Uhr

د. رياض نعسان أغا

أدرك خطر التكهنات في تحليل الموقف في سوريا، فما يحدث على الأرض شديد التسارع، كما حدث في تحول الشعارات التي رفعها المتظاهرون من إصلاح النظام إلى المطالبة بإسقاطه عبر ردود أفعال لم تكن تعبر عن رغبة مسبقة أو برنامج يسعى المعارضون للنظام إلى تنفيذه كما أعتقد، ولم يكن مطلب الشارع بإصلاح النظام مفاجئاً، فالثورات العربية التي انطلقت من تونس ألهبت الشارع العربي كله، وكان لابد من أن يصل اللهيب إلى سوريا.

وربما يختلف المحللون في سر التحول بين الرغبة في مماهاة ما حدث في تونس ومصر، وبين تفسيره بغضب واحتقان وردة فعل على ما حدث في المعالجة السريعة في درعا التي لم تكن قد أخذت طابع الرؤية السياسية الشاملة، وإنما كانت خطأ فادحاً قاد الوضع العام إلى ما يشبه التورط في جعل الحل السياسي متأخراً عن الحلول الأمنية. وهذا ما قد يفسر عدم استجابة المتظاهرين لمبادرات الإصلاح وقراراته، التي بدت معبرة عن حالة من الاضطراب والارتباك، ولكن القيادة بدت مضطرة إليها في حالة إسعافية تستجيب للمطالب الشعبية، فقد ألغيت حالة الطوارئ مثلاً في الوقت الذي تقتضي الأحداث الدموية فيه إعلان حالة طوارئ، مما جعل الإلغاء لا يحقق جدواه السياسية. كما أن المطلب الشعبي بإلغاء المادة الثامنة من الدستور جاء في وقت يسأل فيه كثير من الناس عن موقع الحزب وينتقد غيابه العملي، فما يطلبه المتظاهرون هو إنهاء تفرد الحزب بقيادة الدولة والمجتمع بينما بدا الحزب أمام المشاهدين بعيداً ولاسيما في المحافظات التي شهدت أحداثاً ساخنة.

كما أن زيادة الرواتب التي كانت وعداً نفذته الحكومة وقد أنجزت ما أعلنته في خطتها جاء متأخراً عن موعده قليلاً مما جعل الترحيب به بارداً، وكذلك تخفيض أسعار بعض السلع وبخاصة (المازوت) على رغم ما ستتحمله الموازنة العامة من إرهاق. وكانت الرغبة في الاستجابة للمطالب من قبل القيادة السياسية قد دعت على ما يبدو إلى أن تعلن مستشارة الرئيس ما كان أفضل لو أنه أعلن في خطاب الرئيس أمام مجلس الشعب حاملاً بريق المفاجآت الإصلاحية

وعلى الصعيد الإعلامي المحلي ظهر خلط غير مدروس بين المتظاهرين الذين تستجيب القيادة في بياناتها لمطالبهم، وبين المؤامرة التي يُحمّلها الخطاب مسؤولية إراقة الدماء، فوجد كثير من المتظاهرين السلميين أنفسهم متهمين مما زاد في احتقانهم، وقد حاول الإعلام تدارك ذلك ولكنه لم يكن قادراً على مواكبة الاحتجاجات والتعبير عنها، ولم يكن المتحدثون باسمه على الفضائيات موفقين دائماً في الابتعاد عن الانفعال وفي التعبير عن موقف الشعب أو عن موقف الرئاسة التي مدت جسور تواصل مع كل شرائح المجتمع وبخاصة المعارضين، عبر لقاءات موسعة واكبت الدعوة إلى الحوار، الذي تشكلت له لجان لكنها لا تعرف من ستحاور، فليس هناك من يستطيع أن يزعم أنه يمثل الشارع المحتج

وعلى رغم اتساع التظاهرات وما حدث من فواجع بعد أن تحول بعضها إلى مواجهات دامية وقعت فيها جرائم مرعبة لا يمكن لأحد أن يبرر وقوعها، مما دعا السلطة إلى تشكيل لجان تحقيق لم تعلن نتائج عملها بعد، إلا أن مطلب إسقاط النظام سيدخل سوريا في خطر المجهول، ويجعل الرؤية غائمة، ولاسيما بعد أن رأى الناس ما يحدث في ليبيا واليمن، وبعد أن ظهرت بوادر لتدويل الموقف في سوريا، وهو أمر لا يقبل به أحد من السوريين. فالمتظاهرون الذين يطلبون دعماً عربيّاً أو دوليّاً يرفضون أي تدخل أجنبي في شؤون بلدهم، ويدركون أن الغرب عامة لن يقف معهم حبّاً فيهم ولا حرصاً على مطالبهم بالحرية أو الديمقراطية، والتجارب القائمة من غزو العراق لإسقاط النظام فيه إلى تدخل "الناتو" في ليبيا تقدم أدلة ساطعة، وهذا ما لا يجهله أحد من عامة الناس

إن خطر الموقف يتطلب حكمة وترويّاً وعدم الانسياق وراء المشاعر التي يؤججها الدم المراق، فليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب، والحكمة مطلوبة على الضفتين، ضفة السلطة وضفة المتظاهرين الذين لم تنكر القيادة السياسية مشروعية مطالبهم، وإن كان بعضهم سيقول: أين هذا الإقرار إزاء ما يحدث من مجابهات دامية، بعد أن بدا أن الحل الأمني هو صاحب القرار. ولابد أن يكون الجواب الأمني أكثر استيعاباً لأنه يملك القوة العسكرية، وبوسعه الفصل الكامل بين المسلحين الذين دخلوا على سلمية الاحتجاج وبين المتظاهرين المتمسكين بسلمية مطالبهم.

وكما أن الدعوة إلى الحوار السياسي تحتاج إلى بيئة مطمئنة تفسح للحلول السياسية تقدماً على الحلول الأمنية، فإن البيئة ذاتها تتطلب أن يتأمل المتظاهرون خطر التدخل الأجنبي، أو خطر الانزلاق العام في دوامة العنف التي لن تنتهي إلا على مائدة الحوار الوطني، وبوسع الجميع أن يجلسوا حولها قبل أن يفجع المجتمع السوري بمزيد من المآسي الدموية.

وثمة حقائق لابد من تأملها، من أهمها أن للنظام أنصاراً يشكلون حضوراً كبيراً ولاسيما بين الأكثرية الصامتة، وهم يوافقون المتظاهرين على إصلاح النظام، ولكنهم لا يريدون إسقاطه، وإدخال البلاد في عتمة المجهول، وهم حريصون على الأمن والاستقرار وعلى الوحدة الوطنية التي تشكل قوة سوريا، كما يشكل تهديدها خطراً على مستقبلها، وهؤلاء يريدون أن تكون الإصلاحات جوهرية بنيوية، ولكن دون أن تتعرض سوريا إلى المخاطر. على رغم أن هناك في السلطة أو الحزب من يخشون من الإصلاحات البنيوية ويترددون في قبولها، لأنها قد تؤدي إلى تغيير النظام، إلا أنني أجد التغيير ضروريّاً وسُنة من سنن الحياة، وقديماً قالت العرب "لابد مما ليس منه بد" ولكنني أرجو أن يحدث التغيير عبر حراك سلمي سياسي لا عنف فيه ولا خطر.

ومفتاح الحل السياسي كما أعتقد هو تعديل الدستور ولاسيما المادة الثامنة منه، وهذا ما سيفرضه بالضرورة كما أتوقع قانون الأحزاب، وأعتقد أن حزب "البعث" سيكون أقوى على صعيد النضال حين يتخفف من أعباء التفرد بالحكم، ويستعيد حرارته النضالية في ساحة تنافس سياسي لا إلغاء فيه ولا إقصاء، ثم يأتي برلمان يرسم رؤيته للمستقبل عبر صناديق الانتخاب. وقد لا يوافقني على هذه الرؤية بعض زملائي وأصدقائي داخل السلطة أو الحزب، ولكنهم يقدرون كوني مستقلاً، وقد يرفض المتظاهرون آرائي جملة وتفصيلاً عبر إصرار على شعار إسقاط النظام، ولكنني أرجو أن تتسع الصدور جميعاً للرأي والرأي الآخر، عبر فسحة الحرية التي لا يختلف اثنان على كونها هي الحل الأمثل

Zuletzt aktualisiert am Freitag, den 17. Juni 2011 um 23:54 Uhr