رثاء محمود درويش في صورة الكاريكاتير ج1 |
|
|
|
الأربعاء, 27 نيسان/أبريل 2011 18:06 |
د. عمر عتيق
جامعة القدس المفتوحة-فلسطين
لا يخفى الدور الوظيفي للصورة في الخطاب الثقافي السيميائي ، فقد أضحت الصورة قناة تواصل مائزة تملك قدرة على منافسة الكلمة في كثير من السياقات والمقامات ، وتعود تلك القدرة إلى حزمة من المواصفات ،نحو غياب القناع الدلالي ، إذ تتجلى الدلالة في الصورة أكثر من دلالة الكلمة التي قد تتحصن خلف الأقنعة والرموز والإيحاءات ، ويفضي
هذا الجلاء الدلالي للصورة إلى اتساع دائرة المتلقين الذين يتفاعلون مع دلالة الصورة ، أما التفاعل مع الكلمة فقد يقتضي خصوصية ثقافية فكرية وأبعادا أيدلوجية مقصورة على نخبة من المتلقين . كما أن الصورة تمنح المتلقي فضاء تأمليا يتسع لكل الأحداث التي تعبر عنها ، ويستوعب الأطياف الوجدانية التي تنجم عن تفاعل المتلقي مع الصورة . ولعل الصورة الكاريكاتورية أكثر قدرة على الإثارة والتأثير من الصورة الفوتوغرافية أو التشكيلية ؛ لأن فن الكاريكاتير يتسم بالمباشرة والتلقائية والشفافية ، ويصور الفكرة أو الحدث بوسائل فنية مشبعة بالإثارة أما الصورة الفوتوغرافية فهي ترصد مشهدا واقعيا بأبعاده الحقيقية . وتتأمل الدراسة ثلاثة محاور في الخطاب الرثائي في صورة الكاريكاتير ، وهي التشكيل الفني والبعد الرمزي والنص الشعري في لوحة الرثاء
التشكيل الفني في لوحة الرثاء يحشد الفنان في اللوحة التشكيلية الرثائية حزمة من المثيرات المشبعة بالمؤثرات الفكرية والوجدانية ، إذ يتحول الخطاب الرثائي إلى دلالات عنقودية ومجموعة من النصوص السيميائية المركبة ، لنتأمل اللوحة التالية التي تحوي حزمة من المثيرات بهدف تفكيك معمارها الفني وإعادة بنائه ، فالمثير الأول هو بنية اللون التي تحوي ألوان العلم الفلسطيني مما أكسب الخطاب الرثائي وشاحا وطنيا ، والمثير الثاني يتمثل بالبنية اللغوية المختارة من قصائد درويش ، وهي بنية تتوزع على شكلين ؛ الأول : الشكل اللغوي المباشر وهو المقطع الشعري المختار الذي يتميز بتكرار ضمير الغائب ( له ) في مستهل السطور (( له انحناءات الخريف ، له وصايا البرتقال ، له القصائد في النزيف ... الخ )) ، وتختزل دلالة الضمير الغائب بعدا نفسيا يضمر حزنا عميقا من خلال علاقة الغياب المضمرة بين الضمير الغائب وغياب درويش .
والثاني : الشكل اللغوي المضمر الذي يتمثل بعناوين دواوين و قصائد ، نحو : (لا تعتذر عما فعلت وسرير الغريبة ولماذا تركت الحصان وحيدا ... الخ ) وهو شكل يحيل إلى كوكبة من قصائد درويش ( قد لا تظهر هذه العناوين بسبب حجم الصورة ولون الخط الرمادي ) . والمثير الثالث : سنابل القمح الخضراء التي تحوي تناصا مركبا من الموروث التراثي ؛ إذ من المألوف زراعة أشكال من الورود أو النباتات في تراب القبر في الوقت الذي ينتهي فيه المشيعون من دفن المتوفى ، وهو سلوك حي في الطقوس الجنائزية تعبيرا عن البقاء والحياة والديمومة للمتوفى ، وهو تناص مركب كذلك من عصارة ثقافية سياسية مستمدة من ارتباط الإنسان بالأرض ، فقد اكتسبت سنابل القمح في الموروث الثقافي الفلسطيني أبعادا رمزية مشبعة بنكهة الأرض وفضاء الوطن . والمثير الرابع هو المفتاح الرمز الذي يظهر مقترنا بالعين اليسرى في صورة الشاعر الراحل ، ويشكل المفتاح الرمز مفصلا سياسيا ووطنيا في القضية الفلسطينية ، ولو أنعمنا النظر في طرف المفتاح الرمز لتبين لنا أنه يجسد كلمة ( حيفا ) ، بهذا يكون المفتاح قد تضمن دلالة مركبة ؛ دلالة حق العودة وهي دلالة عامة تجسد مفصلا من الثوابت الوطنية ، ودلالة كلمة ( حيفا ) وهي دلالة خاصة تسقط قناع التهويد عن مدينة حيفا من جهة ، وتوجه بوصلة العودة نحو فلسطين التاريخية متجاوزة البدائل الهزيلة من جهة أخرى . وتتجلى أواصر القربى بين المثيرات الأربعة في اللوحة التشكيلية العنقودية والخطاب الرثائي من خلال الكشف عن الحبل السري الذي يربط بين المعاني الوطنية التي تمور في المثيرات الأربعة ورحيل الرمز محمود درويش . |
تاريخ آخر تحديث: الخميس, 28 نيسان/أبريل 2011 15:39 |